المنظومة التواصلية في روايات فضيلة الفاروق و مليكة مقدم - مقارنة سيميائية

Loading...
Thumbnail Image

Date

2020

Journal Title

Journal ISSN

Volume Title

Publisher

Universite Mouloud MAMMERI Tizi-Ouzou

Abstract

التواصل نشاط إنساني اجتماعي، عرفه الإنسان مذ الأزل، حيث كان يتواصل باللغة المنطوقة والحركات والإيماءات، ثم ظهر التواصل الكتابي بظهور الرموز اللغوية، وبعد ظهور وسائط الإعلام المختلفة، بات الإنسان يستخدمها بهدف التواصل مع غيره. ثم انبثقت ثورة رقمية، في بداية القرن الواحد وعشرين، أثرت على حياة الإنسان من الناحية التواصلية فأصبح يتواصل عبرها. بعد البحث والتقصي في علم الاتصال وجدنا أن التنظير للتواصل ليس وليد العصر الحديث، حيث اهتم به الفلاسفة اليونان والعرب قديما وقدموا أفكارا مهمة، وطرحت مفاهيم متعددة فلا نجد تعريفا واحدا جامعا أو نموذجا تواصليا ثابتا، فكل ينظر من زاوية اختصاصه. كما اقترحت نماذج مختلفة كالنموذج السلوكي والنموذج الرياضي والنموذج اللساني. لكن مهما تعددت المفاهيم المقدمة للتواصل من جوانب مختلفة إلا أنه يبقى تفاعلا يقتضي وجود عناصر أساس لا غنى عنها لتتم العملية التواصلية (مرسل ومرسل إليه ورسالة) هدفه تبادل المعلومات والتعبير عن المشاعر والرغبات، والتقارب، والانفتاح، وهو أساس كل نشاط إنساني يضمن الاستمرارية. يشكل الأدب الذي يعد فنا من الفنون بمختلف أنواعه : قصة، شعر، رواية أحد أهم عناصر التواصل هي الرسالة التي ينجزها المرسل تتضمن آراءه وأفكاره بطريقة مباشرة أو غير مباشرة للمرسل إليه، الذي يقوم بتحليلها ويقدم قراءات وتأويلات لها ويفك شفراتها، عله يصل إلى الدلالة المقصودة، وبالتالي تنتج عملية تواصلية تفاعلية بينهما. يعتمد في تحليل النصوص الأدبية على خطاطة رومان جاكسون بعناصرها الستة: العنصر الأول هو المرسل المنجز للرسالة الحاملة لأفكاره الذي يتوجه بالخطاب إلى المرسل إليه، تتعدد تسمياته، فهو الباث، الناقل، المخاطب. والعنصر الثاني هو الرسالة التي تحمل المضمون، يترجم فيها المرسل أفكاره، حيث تمثل الجانب المادي الملموس في العملية التواصلية، قد تكون شفهية أو كتابية، يتوجه بها إلى المرسل إليه الذي يعد عنصرا ثالثا مستقبلا متلقيا لها يفهمها، نشير إلى أنه قد يتحول إلى مرسل أثناء العملية التواصلية. العنصر الرابع هو السياق أو المرجع الذي يستند إليه المرسل لإنتاج الرسالة فتفهم من خلال الظروف التي أسهمت في إنتاجها كالإطار الزمكاني والأحداث الواقعية. والعنصر الخامس هو القناة الحامل المادي للرسالة. يبقى العنصر السادس والأخير الذي هو السنن، يمثل شفرات ورموز تتشكل بها الرسالة، تكون مشتركة بين المرسل والمرسل إليه كي لا يحدث خلل في النظام التواصلي. تلخص المنظومة التواصلية لدى جاكبسون في أن يبعث الأديب المبدع استنادا إلى عدة مراجع رسالة تتضمن علامات لغوية مسننة عبر قناة تواصلية إلى المرسل إليه الذي يعول عليه من أجل استنطاقها وفهم مقاصدها. هذا بالنسبة لعناصر التواصل، أما بالنسبة للوظائف التي تؤديها فهي متعددة تتعلق بكل عنصر من عناصر التواصل، فالوظيفة التعبيرية تتعلق بالمرسل الذي يعبر عن آرائه ويمرر رسائله، وكذا الوظائف الأخرى كالوظيفة الإفهامية، ووظيفة إقامة الاتصال، والوظيفة المرجعية ووظيفة ما وراء اللغة، وأخيرا الوظيفة الشعرية التي تجعل من النص أدبا يتميز بفنياته عن غيره من النصوص الأخرى. قسم الدارسون، في نظرية الاتصال، الأدب إلى نوعين : تواصل لغوي، ينقسم بدوره إلى قسمين : تواصل لغوي شفهي، يشترط حضور المرسل إليه أثناء صدور الرسالة وتواصل كتابي تهتم به الدراسات اللسانية، فقد قسم سوسير العلامة إلى دال ومدلول، وتواصل غير لغوي يتمثل في مجموعة من العلامات، تشمل تقريبا كل تصرفات الفرد من إيماءات وحركات جسدية، لغة الإشارة، لغة الأشياء، تعدّ مجال البحث السيميائي الحداثي، وقد حددها رائد السيميائيات شال سندرس بورس وقسمها تقسيما ثلاثيا : ماثول ـــ موضوع ــــ مؤول. أما بالنسبة للعلامات غير اللغوية في الأدب، فإنها تتمثل في الأيقونة التي تمثل الصورة في واجهة العمل الأدبي التي تحيل على فكرة التشابه كما نجد الرمز. غالبا هي الألوان التي يصطبغ بها الغلاف. تمثل هذه العلامات غير اللغوية جزءا من المناص الذي يحيط بالأعمال الأدبية سعينا في هذا البحث إلى تطبيق خطاطة جاكسون على روايات من الأدب النسائي، فالأدب لم يعد حكرا على الرجال، فالمرأة الأديبة سعت إلى إثبات وجودها والتعبير عن القضايا التي تشغلها وتمرير آرائها وتمثلاتها للواقع بكل جرأة، كما تطرقت إلى المواضيع الحساسة في المجتمع، هادفة إلى نشر الوعي لدى هذه الفئة المهمشة المظلومة من طرف العنصر الذكوري بالدرجة الأولى. وقع اختيارنا على مدونات من الأدب الجزائري المتمثلة في روايتي أقاليم الخوف وتاء الخجل لفضيلة الفاروق ورواية الممنوعة لمليكة مقدم. قاربنا هذه الأعمال الروائية بالاهتمام بالعلامات غير اللغوية التي غيبها رومان جاكسون باعتباره نموذجا لسانيا محضا، كما أضفنا ردود أفعال المتلقي الذي يمثل عنصرا حيويا، يلعب دورا فعالا في العملية التواصلية، حيث يولد تفاعلا، إذ لا يكتفي الكاتب بإرسال رسالة فحسب، لكنه يظل يترقب النصوص التي ينتجها عمله من طرف القراء على اختلاف أنواعهم. ونظرا لأهميته في النقد الأدبي ظهرت نظرية التلقي على يد ياوس وإيزر لإعادة الاعتبار له، بعدما غيّب في المناهج السابقة، فقسمته لأنواع منها : القارئ المثالي، القارئ الأعلى، القارئ المقصود كما طرحت مفاهيم متعددة متعلقة به. في هذا البحث قاربنا الروايات من الناحية التواصلية مستعينين بالمنهج السيميائي في تحليل العلامات غير لغوية التي تندرج ضمن عنصر الرسالة كالتي يحملها الغلاف كاللون (الأحمر والأزرق) حيث كشفنا عن الدلالات الكثيفة التي يحملها، إضافة إلى تحليل الأيقونات تحليلا سيميائيا. كما حللنا العلامات اللغوية بدءا بالعناوين (تاء الخجل ــ أقاليم الخوف ـــ الممنوعة) استنادا إلى عدة مراجع فبيّنا أهميتها وتأثيرها على المتلقي حيث تمده بالمفاتيح الأولى لتقديم قراءة أولية ولتكوين فكرة مسبقة عن العمل الفني وبالتالي فإنها تلعب دورا فعالا في العملية التواصلية، فهي أول ما يقع عليه بصر القارئ. إضافة إلى الإهداء الذي يعد تقليد عريقا يتوجه الكاتب إلى المهدى له وبالتالي يسهم في تنشيط الوظيفة التداولية والحركة التواصلية. كما نجد عتبة اسم الكاتب ( فضيلة الفاروق ومليكة مقدم ) التي تنسب الأعمال الأدبية الرسمية لصاحبها، تحقق مليكتهما الفردية، نشير إلى أن فضيلة الفاروق اختارت اسما فنيا اشتهرت به لاعتبارات سياسية نظرا للمواضيع التي تطرقت لها. أما مليكة مقدم فصرحت باسمها الحقيقي. ومن بين العتبات اللغوية أيضا التصدير الذي يبين إديولوجية الكاتب باعتباره اقتباسا فهو بمثابة مقدمة للعمل الفني، ففضيلة الفاروق اختارت مقولة لأليوت تصدرت بها عملها( تاء الخجل )أم مليكة مقدم، فاقتبست من كتاب اللاطمئنينة لفرناندو بيسوا. تمثل العتبات السابقة النوع الأول من المناص حسب جيرار جنيت هو النص المحيطي الذي يتقسم إلى نص محيطي تأليفي ( من ووضع المؤلف ) ونص محيطي نشري ( من وضع دار النشر). يتضمن المتن كذلك على غرار العتبات مجموعة من الرسائل مررتها الروايتان عبر شخوص الراوية الأساسية والفرعية وعن طريق سرد قصص مستوحاة الواقع المعاش بإضفاء الخيال الفني. فرواية تاء الخجل تدور حول الظروف السائدة إبان العشرية السوداء في الجزائر في ظل الصراع السياسي والديني والحرب الأهلية كما تطرقت إلى الظلم الذي عاشته المرأة عبر قصص نساء تعرضن للاغتصاب والتهميش من المجتمع. أما في روايتها أقاليم الخوف تعرضت لظاهرة الاختلاف الديني عبر شخصية مارغريت المسيحية المتزوجة من إياد اللبناني، كما بينت النفاق الموجود في المجتمعات العربية والممارسات الشنيعة باسم الدين. أما مليكة مقدم ابنة الصحراء لم يختلف مضمونها كثيرا في روايتها الممنوعة عن فضيلة الفاروق خاصة في روايتها تاء الخجل حيث صورت معاناة المرأة المغتربة المتعلمة المتحررة، التي عادت إلى مسقط رأسها، فقوبلت بالرفض والمنع إضافة إلى نظرة المجتمع القاسية إليها في ظل الحرب الأهلية في الجزائر. من خلال المتن ظهر لنا المرجع الذي استندت إليه الروائيتان، حيث أنّهما انطلقتا من العادات والتقاليد البالية الراسخة في المجتمع منذ عصور وتعششت في أذهان الناس كتفضيل الذكور على الإناث التي تحرم المرأة من أبسط حقوقها وتجعلها في الدرجة الثانية إضافة إلى الظروف السياسية التي ساهمت في نسج خيوط الرواية والاختلاف في الفكر الديني إلى حد التناقض بين النظري والتطبيقي الذي دائما ما تكون المرأة ضحيته. للتعبير عن كل هذه الظواهر الاجتماعية والسياسية والدينية وتمرير الرسائل ذات أبعاد مختلفة، اختارتا الرواية كفن أدبي نثري ظهر في العصر الحديث لتكون قناة ذلك أنّها تشكل فضاء واسعا، هي الأقدر على حمل همومهن. أما بالنسبة للسّنن فاختارت فضيلة الفاروق التعبير باللّغة العربية، أما مليكة مقدم فوجدت ضالتها في اللغة الفرنسية ولعل هذه هي نقطة الاختلاف البارزة بينهما. لعب الإعلام دورا بارزا وجوهريا في الترويج لهذه الأعمال الأدبية فكان لها صدى كبير، ما مكن الجمهور من التعرف عليهما عن قرب. فالإعلام بمثابة جسر يوصل للقارئ. وقد ظهرت الروائيتان في برامج متعددة ومقابلات شتى بنسبة متفاوتة كما حظيت أعمالهما بالدراسات النقدية، فعدت مدونات لأطروحات ومذكرات جامعية. في هذا البحث أشرنا إلى ذلك باعتباره النوع الثاني من المناص الذي سماه جيرار جنيت الذي يسهم في تحليل النصوص الأدبية والكشف عن دلالتها.

Description

279ص. ; 30سم + قرص مضغوط

Keywords

المنظومة التواصلية, الرواية الجزائرية, النقد الحداثي, التواصل

Citation

لغة وأدب عربي