بلاغة التفكيك السردي بين الرواية والسينما

Loading...
Thumbnail Image

Date

2018-11-11

Journal Title

Journal ISSN

Volume Title

Publisher

Universite Mouloud Mammeri

Abstract

تقترن أشكال الفن والأدب في العالم المعاصر بمفاهيم ما بعد الحداثة المقترنة بمحاولات التكسير والقلقلة التي تدفعها الرغبة في تحدي قدرة عناصر العمل الفني على التوحد في وحدة فنية كاملة، فالتفكيك وإرجاء المعنى أهم سماته وهو على رأي ليبتوفسكي Libitovsky فن دون ادعاء عفوي وحر على صورة المجتمع النرجسي اللامكترث، المتحرر من قيود التأصيل والنمذجة، ليتلاشى مفهوم الجوهر كما يرى دولوز Deleuze وظِلِّ النموذج الذي هيمن على التفكير الفلسفي طوال القرون السابقة على القرن العشرين، ويحل محله مفهوم التعددية بكل أشكالها، تعددية الخطاب والمعنى والظاهرة، بحسب منطق التكثر والتضاعف. وعلى ذلك كان لابد للرواية باعتبارها فنا هجينا أن تتأثر وتتحرر من سلطة القوالب الجاهزة التي أملتها الرواية التقليدية، فانطلق هذا الفن من شكله المؤطر، وأخذ يواكب الثورات المستحدثة في مختلف الأجناس الأدبية ومجمل ميادين الحياة، وبدأ يستمدد بناه الفنية من مختلف الفنون الانسانية وخاصة السينما التي ظهرت كفن جديد في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين وبالمنحى نفسه أخذت السينما، كذلك، تتطور وتأخذ صيغها البنائية من المسرح والأدب بصفة عامة ومن الرواية بصفة خاصة. بيد أنها لم تقطع المسافة ذاتها حيث استفادت من التجديدات التي طالت فنون السرد عامة والرواية خاصة فوصلت في مدة وجيزة قد لا تبلغ الثلاثين عاما إلى مستويات النضج التي طالت الرواية فظهرت مفاهيم السينما الجديدة مع غودارGoudar وغرييه Grillet ومفاهيم السينما الطلائعية والواقعية الجديدة والسينما الفلسفية مع دولوز. وكان لهذا التفاعل أثره البارز على الأعمال الفنية والروائية ومن بينها فيلم الساعات للمخرج الامريكي ستيفن دلدري stiven daldry الذي دفعتني مشاهدته إلى الاطلاع على رواية الساعات المقتبس عنها للكاتب مايكل كانينجهام Maeckel kaningham وإلى العودة إلى الأعمال التي تتعالى عنها نصيا وفيلميا وهما رواية "السيدة دالاواي" لفرجينيا وولف والفيلم المقتبس عنها بنفس العنوان للمخرج مارلين غوريس Marleen goriss ، ومن ثم بناء إشكالية هذا البحث وطرح التتساؤلات المتعلقة به، حيث يجسد هذا الفيلم نموذجا للفيلم مابعد الحداثي القائم على ما أسماه ميشال فوكو في كتابه الكلمات والأشياء باليوتوبيا غير المتجانسةL’utopie hétérogène التي يقصد بها تساكن عدد كبير من العوالم المتشظية الممكنة في فضاء افتراضي، أو على نحو أبسط، تواجد فضاءات متجاورة ومفروض بعضها على الآخر، ولا تتوقف الشخصيات في هذه الفضاءات طويلا عند كيفية حل والبحث عن إجابة للأسئلة المركزية، بل هي ملزمة في المقابل بالتساؤل عن أي عالم هو الذي نحياه؟ ما مآله؟ ما العمل حياله وأي أنا ستقوم بذلك؟ فتعكس هذه البنية حيرة الإنسان في مواجهة هذه الأسئلة فيبدو مفككا في الآن والقبل والبعد والممكن والمحتم وأسئلة الحياة والموت والوجود. ولا يبدو هذا الملمح التفكيكي في حال من الهذيان وإنما هو صورة لعمق وبلاغة هذه الاسئلة، فيبدو العمل الفني الذي هو صورة لذلك في حالة ما أسماه بول ديمان Paul Deman في كتابه العمى والبصيرة ببلاغة التفكيك، من ذلك أتت تسمية بحثنا ب "بلاغة التفكيك السردي بين االرواية والسينما" المستمدة من جمالية الإحساس بالنظام داخل الفوضى، التي تفرضها تقنيات التفكيك المستخدمة في الرواية والفيلم، ونظام يلجمها بأمبراطورية البلاغة كما يسميها بيرلمانCh.Perelman. وتستثير هذه البنية الخاصة لبلاغة التفكيك السردي الي تمتلكها هذه الرواية/الفيلم مجموعة من الأسئلة التي تمثل إشكالية بحثنا وهي: - ما المقصود ببلاغة التفكيك؟ - هل يمكن لجم التفكيك بالبلاغة؟ - هل يمكن الموازنة بين مفاهيم البلاغة والشعرية والجمالية والسرد؟ - ما هي آلياتها؟ - هل آليات بلاغة التفكيك الموجودة في الرواية هي نفسها في السينما؟ - هل يمكن الحديث عن بلاغة للأفلام السينمائية؟ - وكيف يمكن للصورة كذلك أن تعكس أو تجسّد ثقافة المجتمعات؟، -ما دورنا نحن كمتلقين في تأويل هذه الرسائل المشفّرة التي تحملها الصورة المجسّدة من خلال الفيلم السينمائي؟ افترضنا أن منهج بول ريكور Paul Recoeur في تأويل السرد مناسب ، وأول مصوغ لهذه الفرضية أن رؤياه للسرد أتت استجابة لتيار التفكيكية التي بدأت تغزو أشكال الفن المعاصر في العالم الغربي،حيث يرى أن التفكيك المقترن بعملية التأويل اللانهائي للأدب لا يجب أن يتعارض مع قوانين النظام والفكر الإنساني والأعراف الفنية والأدبية، فهو يحاول أن يلجم التفكيك لكن دون إعادته لقيود البنيوية التي خرج الأدب من سجنها. لذلك تعتبر نظريته لتأويل السرد في ثلاثيته "الزمان والسرد" محاولة للفكاك من قيود السيميائية على السرد ومن إرث البنيوية العتيق حول عقلنة السرد وإغلاق النص ضمن مقولات اللغة. حيث يتعاطى مع السرد كرؤيا إنسانية قبل أن تكون تمظهرا لغويا فلا تكمن شعرية السرد في إحياء اللغة لذاتها وفي ذاتها وتأويل السرد لا بآليات لغوية فحسب وإنما بتأويل التجربة الإنسانية والفعل الإنساني فيه. وعلى ذلك اخترنا اتباع منهج بول ريكور التأويلي وعضدناه بإنجازات المنهج البنيوي وخاصة شعرية جيرار جينيت من خلال كتاب محسنات الذي ترجم إلى اللغة العربية تحت عنوان خطاب الحكاية، كذلك شعرية تودوروف من خلال كتبه "الشعرية" و"الأدب والدلالة" و"القصة والمؤلف" وفي مجال السينما كان كتاب "الإخراج السينمائي" لتيرنس جون مارنر، وكتابي "الصورة الحركة" و"الصورة الزمن" وكتاب المعجم السينمائي لماري تيريز جورنوMarie Thérèse journot خير معين لنا على اتمام فصول البحث كما يلي: الفصل الأول والمعنون: في المفاهيم النظرية يتناول أهم المفاهيم المكونة لاشكالية البحث وأبرزها مفهوم البلاغة قديما وحديثا من بلاغة المعنى والنظم النحوي مع عبد القاهر الجرجاني، وأبعاد الإيقاع والتناسب الصوتي والمعنوي مع السكاكي وابن سنان الخفاجي، إلى حازم القرطاجني واعتباره البلاغة علما كليا وشاملا للخطاب ، وعلاقة ذلك بمفاهيم الشعرية والجمالية، والسيميائية والهرمينوطيقا ثم التفكيك وبلاغة التفكيك وتفكيك السرد وارتباط هذه المفاهيم ببناء معالم بلاغة الرواية بصفة خاصة و بلاغة السرد بصفة عامة، ثم ربطنا ذلك بمفاهيم الجمالية السينمائية والسينما الجديدة والطلائعية وآلياتها المتمثلة في: ضبط حدود الإطار وأسلوبية المونتاج وعمق المجال أو التبئير. وجمعنا ذلك بتصور بول ريكور الذي يرى أن هناك وحدة وظيفية تتحكم بالتفكيك في السرد وأن ذلك ملمح جمالي يشمل كل أشكال السرد بما فيه المرئية، هذه الوحدة قائمة على تفكيك الزمن وتفكيك الحبكة وتفكيك الصيغة ، وربطنا هذا التصور بما سبق وبتقديم المدونة التي تعتبر نموذجا للانزياح البلاغي وللتعالي النصي وللميتاسرد فخرجنا في خاتمة الفصل بنموذج عام لبلاغة النص السردي. وعلى ذلك كانت الفصول المتبقية من البحث تابعة لهذا التقسيم فكان الفصل الثاني والموسوم ب: رؤيا تفكيك الزمــن. كان الترتيب الكرونولوجي أساس تنظيم الحكي في أشكاله الكلاسيكية وقد عملت الرواية الحديثة على كسر هذه الخطية واستحداث أشكال لازمنية قائمة على كسر خطية الزمن، وقد كان الشكلانيون أول من بحث في تجليات ذلك بالتفرقة بين المتن الحكائي والمبنى الحكائي، وتبعهم البنيويون وخاصة جيرار جينيت الذي وضع الفرق بين القصة والحكاية ومايتبعها من أساليب التمطيط الزمني والقطع الزمني والتسريع الزمني، أما بول ريكور ، فهو يعتبر أن التفكيك الزمني قائم ليس على اللازمانية في السرد وإنما على تعميق الزمن وسبر أغواره في النفس البشرية وينعكس ذلك على أساليب الكتابة السردية والتي تتفكك بدورها استجابة لسلبية تجربة الزمن في النفس، وقد حللنا بعض صور هذا التفكيك الزمني في رواية/فيلم الساعات المستوحى من حياة الأديبة فرجينيا ولف . واستنتجنا أنّ بلاغة التفكيك السردي قائمة على إحكام آليات تفكيك الزمن التي تُلخّص في تعميق الزمن وتكثيفه وتمطيطه وتقطيعه، وتنسجم هذه الآليات مع بعضها لأنها تأتي استجابة لسلبية تجربة الزمن في نفوس الشخصيات الناتجة عن تفكيرها في لغز الأبدية والإنقضاء أو لغز الحياة والموت وعذاب مرور الزمن في حالات البؤس الإنساني كالحرب والمرض والجنون والروتين والفشل في الكتابة والفشل في الحياة عامة ويقابل ذلك إحساس بعمق الحياة في بساطتها وواقعيتها. لذلك تتناسب التقنيات التفكيكية في رواية الساعات مع الرؤيا التي تقدمها الرواية كموضوع، وهو موضوع تفكك الزمن الإنساني في ذاته فتجتمع في الرواية خاصيتان هما تفكيك الزمن كتقنية سردية وتفكك الزمن كموضوع سردي وكهم إنساني. وذلك يتناسب أيضا مع طرح بول ريكور القائل بانقسام الزمن السردي الذي أوّلنا تسميته الزمن السردي النفسي الظاهراتي إلى مظهرين أولا الزمن كتقرير وثانيا الزمن كتلفيظ. وتندرج تحت الاول سمات الزمن كموضوع وتندرج تحت الثاني سمات الزمن كممارسة خطابية. ويجعل بول ريكور هذه الرؤيا أساس تفكك السرد ويلتقي فيها مع فرجينيا وولف لذلك كانت ستطلق على روايتها السيدة دالاواي عنوان الساعات وقد اتخذ الكاتب مايكل كانينجهام هذا العنوان لروايته التي كتبها على منوال رواية وولف، واتبع فيها أسلوب الرواية الحداثية التي تتخذ الزمن كموضوع سردي واتخذ فيها أسلوب تفكيك الزمن القائم على الآليات السابقة. الفصل الثالث والموسوم ب: رؤيا تفكيك الحبكة عرضنا فيه نظرية بول ريكور في تفكيك الحبكة وتصنيفه لأنواع الحبكات ووصلنا فيه إلى اعتبار أفعال الشخصيات هي الأساس في تفكيك الحبكة ولاسيما الأفعال المبرزة لعامل المعاناة لدى الشخصيات والتركيز على ألمها أو ما يسميه بالعوارض المثيرة للخوف والشفقة أو بالعوارض التدميرية وهي تقف في صدارة مولدات التنافر التي تعمل على تفكيك الحبكة، وهي في المدونة مواضيع المرض والجنون والفشل في الكتابة والإعياء والموت والانتحار، إضافة إلى مواضيع الدمار والحرب والخوف، وعملنا على تحليل طرق تبئير هذه المواضيع سرديا وفيلميا، وأبرزنا أهم التقنيات السينمائية المرافقة لها كأنواع اللقطات والتركيز البؤري الحاد وأشكال الإضاءة، وغيرها من التقنيات التي تعمل بدورها على إقامة ملمح الاستعارة/الحبكة ومفهوم الاستعارة التصورية . الفصل الرابع والموسوم ب: تفكيك الواقع في السينما الجزائري وختاما: البلاغة مجال وعلم دراسة جمالية الخطاب مهما كانت لغته أو شكله واُستحدثت أوجه بلاغية تخص كل نوع تواصلي فهناك بلاغة الخطاب الإعلامي وبلاغة الخطاب المرئي أو المسموع أو الرقمي، ونظرا لتداخل مفهوم البلاغة مع ما اُستحدث من مفاهيم وميادين نقدية معاصرة فقد أصبح مرادفا للجمالية والشعرية والأدبية والسيميولوجيا والهيرمينوطيقا. رواية /فيلم الساعات نموذج ما بعد حداثي يتخذ أسلوب التفكيك السردي الذي يتوحد مع الأساليب البلاغية ليؤسس بلاغة التفكيك السردي. حيث تقوم الرواية والسينما المابعد حداثيتين على السرد المضطرب Dysnarratif وهو خطاب عسير السرد مخيب بطبيعته للقارئ، خيبة ترافق فعل التوهم أثناء القراءة أو المشاهدة، ناتج عن ثغرات في الخطاب وغياب تتابع الأفعال ومنطقها وتعديل السارد لخطابه باستمرار، سعيا إلى الابتعاد عن وهم الواقعية، الذي يحكم الأدب والسينما الواقعية (التوهم المرجعي)، وتأكيد أولوية الكتابة على تصور العالم. وخلاصة القول أن بلاغة التفكيك قائمة في السرد على تقنيات تفكيك الزمن وتقنيات تفكيك الحبكة وتقنيات تفكيك الواقع، فالسرد استعارة للحياة مثلما الأدب في عمومه استعارات للحياة وتفكيك لها وعدول عنها بمختلف الأوجه، لذلك فرواية/فيلم الساعات استعارة سردية للحياة وعدول عنها ثم هي نموذج للشكل السردي المفكك في بناه تأصيلا لرؤيا بلاغة التفكيك. ولا نزعم أننا أحطنا بجميع الزوايا والتقنيات التي تجيب عن إشكالية بحثنا وإنّما تظل هذه محاولة متواضعة أمام الإمكانات القرائية اللانهائية للمدونة وللإشكالية، ويكفينا رجاء أن تفتح هذه المحاولة أبواب السؤال والبحث لدى القارئ

Description

273و. ; 30سم + قرص مضغوط

Keywords

السرد, البلاغة, الرواية, السنما

Citation

دراسات أدبية ونقدية